دارفور ما بين أصول الأزمة واختصاصات المحکمة الجنائية الدولية

نوع المستند : بحوث کاملة

المستخلص

إن قيام المحکمة الجنائية الدولية (1) يعتبر من أهم الأحداث التاريخية البارزة للمسيرة الإنسانية المعاصرة فبعد مناقشات طويلة استمرت قرابة الخمسين عاماً، إستطاع المجتمع الدولي في النهاية أن يضع إتفاقية دولية تتصدى لأبشع الجرائم الدولية الخطيرة التي تهز مشاعر الضمير الإنساني مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان فهذه الجرائم تعتبر من أبشع الجرائم التي ترتکب ضد الإنسانية والتي عانت منها الإنسانية قروناً طويلة بسبب عدم وجود تشريعات دولية تکفل ردعها وتعاقب کل من يقوم بإرتکابها بصرف النظر عن مراکزهم السياسية وحصاناتهم القانونية، صحيح أن المجتمع الدولي حاول في حالات إنشاء محاکم دولية جنائية مؤقتة تهدف إلي معاقبة حالات معينة إلا أن هناک الکثير من الحالات أفلتت من طائلة القانون الدولي والعقاب الذي تستحقه.
وقد استوقفى النزاع القائم في کثير من الأقاليم أو الدول ومنها ما يحدث في إقليم دارفور . ذلک الذي بدأ شکل مواجهات قبلية حول الموارد الطبيعية بسبب الظروف المناخية القاسية، وما إن لبس هذا النزاع إلا فترة قصيرة حتى أکتسى صبغة عرقية ساهمت فيها العديد من العوامل السياسية والتنموية أدت إلي تطوره وأخذ إلي شکل تمرد مسلح قادته العديد من الحرکات السياسية التي طمعت في المشارکة في السلطة والثروة مما أدي إلي تدويل النزاع ونقل القضية إلي مجلس الأمن.
والجدير بالذکر أن تدخل العديد من المنظمات الإقليمية والجمعيات الأغاثية مع تسليط آلة الإعلام العالمية بؤرة عدساتها علي الأحداث في المنطقة وتداعياتها أدى إلي تصوير النزاع في دارفور علي إنه بين العرب والأفارقة، وأن القبائل الأفريقية قد ثارت وتمردت بسبب إضطهادها من قبل حکومة الخرطوم والعناصر العربية الموالية لها.
وهنا يثور التساؤل عن حقيقة الأسباب التي أدت إلي إشتعال فتيل الأزمة في إقليم دارفور ؟ وکيف أخذ النزاع هذا المنحى الدولي بهذا الشکل اللافت، وما هي تداعيات إحالة ملف القضية إلي المحکمة الجنائية الدولية وإصدار مذکرة إعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير وهو ما زال في منصبه، وما هي السبل المتاحة للخروج من هذا المأزق ؟
 کل هذه التساؤلات سنعمل جاهدين من خلال هذه الدراسة للإجابة وإلقاء نظره تاريخية علي طبيعة هذه الأزمة.



(1) المحکمة الجنائية الدولية : هي کياناً دائماً ، نشأ من خلال معاهدة أتفق أطرافها علي ضرورة التحقيق ومحاکمة مرتکبي أشد الجرائم خطورة ، وأکثرها اهتماماً من جانب المجتمع الدولي وهي الإبادة الجماعية والجرائم الإنسانية و جرائم الحرب وجريمة العدوان – إنظر د. إسراء حسين عزيز حجازي – ضمانات المحاکمة العادلة أمام القضاء الجنائي الدولي – دار النهضة العربية – الطبعة الأولى سنة 2015 ص 1.